فمصر هى إحدى دول منطقة الحزام الشمسى الأكثر مناسبة لتطبيقات الطاقة الشمسية، فمتوسط الإشعاع الشمسى المباشر العمودى يتراوح ما بين 2000 3200 ك.و.س/م2/السنة ويتراوح معدل سطوع الشمس بين 9 - 11 ساعة/ يوم.
ويبدو أن الأمر كان تاريخيا ففى عام 1913 شهدت مصر بناء أول محطة لإنتاج الطاقة الشمسية فى العالم ، والتى اخترعها عالم أمريكى يدعى «فرانك شومان» متخصص فى مجال الطاقة ، وكان مقرها فى شارع 101 بمنطقة المعادي، وكتبت عنها جريدة «الأهرام» خبرا فى 9 يوليو 1913 عند افتتاح المحطة، تحت عنوان «استخدام قوة الشمس» وورد فيه :«وزع الخواجان لامبرت ورالى أوراق الدعوة على فريق من الوجهاء والأعيان والأدباء لحضور اختبار الآلة التى ركبتها شركة باور الانجليزية فى المعادى لحصر قوة الشمس واستخدامها فى إدارة العدد والآلات وذلك عند ظهر يوم 11 يوليو ….»
كما أفردت جريدة نيويورك تايمز صفحة كاملة فى عددها الصادر فى يوليو من عام 1916 للحديث عن العالم الأمريكى الذى يستخدم الشمس المصرية لإنتاج الطاقة اللازمة لتشغيل مضخات الرى فى الأجواء الساخنة.
وفى الحاضر تنفذ مصر عددا من المشروعات العملاقة فى طريق تحقيقها لهدف الوصول إلى التحول بنسبة 20% من إجمالى الطاقة المنتجة للطاقة الشمسية فى عام 2022، فأصدرت الحكومة المصرية أطلس شمس مصر يشمل قراءات تم حصرها على مدى سنوات لجميع مناطق الجمهورية تمثل فيه البيانات المتوقعة لكل أيام العام للإشعاع الشمسى وساعات سطوع الشمس.
وأعد قطاع الطاقة فى مصر دراسة للمزيج الأمثل فنيا واقتصاديا لإنتاج الطاقة حتى عام 2035، بالتعاون مع الاتحاد الأوربى من خلال برنامج الدعم الفنى لإعادة هيكلة قطاع الطاقة فى مصر TARES، وتضمن عدة أجزاء كان أهمها استهداف الوصول لنسبة مساهمة الطاقة المتجددة إلى 37,2% من إجمالى الطاقة الكهربائية المنتجة فى عام 2035.
والجدير بالذكر أن مصر تعتمد حاليا فى إنتاجها للكهرباء على المحطات الحرارية بنسبة 90% و10% من محطات الطاقة المتجددة التى تشمل الطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
وفى طريق تحقيقها لهذه الأهداف تتعاون مصر مع عدد من الدول الرائدة فى مجال الطاقة الشمسية وأبرزها ألمانيا ويرجع الدكتور محمد الخياط رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة العلاقات المصرية الألمانية فى هذا المجال لأوائل التسعينيات والتى بدأت من خلال تمويل مشروعات طاقة الرياح فى منطقة الزعفرانة بقروض ميسرة ومنح من الجانب الألمانى وتم تنفيذ مشروعات بإجمالى قدرات140 ميجاوات تلاها مشروع آخر بقدرة 240 ميجا فى منطقة جبل الزيات بالبحر الأحمر وتم تمويله بقروض ميسرة من الحكومة الألمانية وبنك الاستثمار الأوروبى والاتحاد الأوروبي.
وتم إنشاء لجنة مشتركة مصرية - ألمانية للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ومقرها هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بالقاهرة، حيث تقدم اللجنة دعما فنيا ومعامل اختبار للأجهزة المنزلية لرفع جودتها وتدريب المصريين.
وتنفذ مصر حاليا مشروعا كان مثيله فى ألمانيا قد حقق نجاحا، ففى أكتوبر 2014 أعلنت الحكومة المصرية عن بدء مشروعاتها الخاصة بتعريفة التغذية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح وحينها تقدم لمصر نحو 187 تحالفا دوليا وإقليميا ومحليا لإنشاء المشروعات المطلوبة، وكان الهدف هو إنتاج 2جيجا وات وتقدمت بالفعل حزم مشروعات بلغت 10 آلاف و500 ميجا واط، أى خمسة أمثال الهدف.
قامت الحكومة المصرية بتقييم المشروعات وتحددت قائمة قصيرة ضمت أكثر من 30 مشروعا، وفى أكتوبر 2016 تقدمت 9 شركات بالأوراق المطلوبة وتم قبول 3 منها لاستكمالها الأوراق الخاصة وتصل قدرات مشاريعها إلى 150 ميجا واط.
وفى أكتوبر الماضى تقدم لمصر 30 عرضا بإجمالى قدرات 1400 ميجا وبدأ عملها هذا الشهر. هذه المشروعات سوف تنفذ فى منطقة بنبان فى أسوان بقدرة إجمالية 1500 ميجا واط مما يجعلها اكبر تجمع لمحطات طاقة شمسية على مستوى العالم وتعمل بنظام ألواح الخلايا الشمسية (كما تطبق تكنولوجيا ألواح الخلايا الشمسية فى سيوه ومرسى علم والفرافرة والغردقة، بينما تستخدم تكنولوجيا المركزات الشمسية فى الكريمات وبنى سويف.
وسوف يتم إدخال إنتاجها بالكامل للشبكة القومية فى مصر. وتوفر المحطات الجديدة فرص عمالة فى مرحلة الإنشاء من 6000 إلى 8000 عامل، بالإضافة للاعتماد على مصادر محليه فى تنفيذ المشروع.
كما أصدر مجلس الوزراء قرارا بمناقصةتنافسية مع الشركات العالمية على 600 ميجاواط أخرى بمنطقة غرب النيل بسعر 3.8 سنت دولار.
وتتميز مصر وفقا للخياط بقدرة الطاقة المتجددة على جذب الاستثمار الأجنبى المباشر وما له من تأثير مباشر على الناتج القومى المحلى.
وقد أشاد البنك الدولى فى نوفمبر الماضى بتجربة مصر فى الطاقة الشمسية.
أحدث المشروعات
وعن أحدث المشروعات مع الجانب الألمانى يقول الخياط :مشروعنا الجديد بمنطقة »الزعفرانة« لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح وهو تمويل مصرى ألمانى بقيمة 50 مليون يورو ويمثل الجانب الألمانى به بنك التعمير الألمانى وتبدأ التركيبات فى الربع الأخير من عام 2018.
وكانت مؤسسة التمويل الدولية قد أعلنت، عن إتمام ترتيب قرض بقيمة 653مليون دولار لتمويل تطوير 13 محطة طاقة شمسية كجزء من برنامج تعريفة التغذية فى بنبان بأسوان.
وتقود المؤسسة تحالفا مكونا من 9 من البنوك العالمية، والتى تستثمر للمرة الأولى لها فى قطاع الطاقة المتجددة بمصر.
ويعد قرض مؤسسة التمويل الدولية هو الأحدث ضمن حزمة تمويلية بنحو 1.8 مليار دولار لتمويل مجمع بنبان، وجاء الجزء الأكبر من تلك التمويلات من مؤسسة التمويل الدولية والبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية والذى قدم تمويلات بقيمة 500 مليون دولار لمشروعات الطاقة المتجددة بمجمع بنبان، الذى من المتوقع أن يكون أكبر مجمع لمشروعات الطاقة الشمسية فى العالم عند اكتماله وتوليد ما يصل إلى 1.8 جيجا واط من الطاقة النظيفة.
ويعد بنك التعمير الألمانى kfw هو واحد من أهم الجهات التى تتعاون مع مصر لإتمام مشاريعها فى مجال الطاقة المتجددة وهو ما أكدته الدكتورة شاريس بوثى نائب الملحق الصحفى ببنك التعمير الألمانى قائلة : حيث يدعم البنك مصر فى تعزيز طاقات الرياح والشمسية والمائية ويقدم القروض والمنح الميسرة التى يوجه معظمها للدراسات والتدابير المصاحبة وذلك نيابة عن الحكومة الألمانية ويمول البنك حاليا عدة مشاريع منها مزارع الرياح بالتعاون مع هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بمنطقة جبل الزيت وبقدرة 240 ميجا وات ويشارك البنك فى التمويل بنسبة 191.5 مليون يورو، ومشروع خليج السويس بقدرة 200 ميجاوات بقيمة 72 مليون يورو، وأيضا مشروع الطاقة الشمسية الكهروضوئية فى الزعفرانة بقدرة تتراوح بين 40 -50 ميجاوات بقيمة 50 مليون يورو، وأخيرا مشروع إعادة تأهيل التوربينات والمحولات فى سد أسوان العالى بقيمة 44 مليون يورو كما توفر ألمانيا الدعم الفنى لمصر ولمختلف مؤسسات قطاع الكهرباء من خلال هيئة التعاون الالماني.
وعن المميزات التى توجد فى قطاع الطاقة المتجددة فى مصر أوضحت أن مصر لديها مصادر محتملة للطاقة الشمسية بنحو 73.000 تيرا واط والذى يكفى ليغطى متطلبات الطاقة العالمية ولا يستخدم بالفعل وهذه المميزات مثل القدرة العالية للرياح (الرياح القوية والثابتة) وفى الطاقة الشمسية (الإشعاع العالى فى مصر)، هذا بالإضافة لوجود الالتزام السياسى لتطوير قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة وزيادة حصتها فى مزيج مصادر الطاقة بمصر لتصل إلى نحو 20% من مصادر الطاقة فى 2022.
اتخذت مصر خطوات فى سبيل ذلك منها رفع الدعم وتطوير آلية التعريفة، ووجود اتفاقات لتحفيز القطاع الخاص وكذلك الإعداد المؤسسى وإعادة تنظيم شركات الكهرباء وإنشاء وكالة تنظيمية لها.
القطاع الخاص يتقدم
فى عام 2011 وبعد الثورة مباشرة أسس أحمد زهران شركته الناشئة فى مصر، متخذا بذلك مخاطرة أن يكون أول شركة خاصة تعمل فى مجال إنتاج الطاقة الشمسية باستثمار مباشر، حيث سبقه العديد من الشركات، وقد حصل زهران على أول عقد فى عام 2013 لتطوير مضخة مياه فى الصحراء الغربية لتعمل بنظام الطاقة الشمسية، بعدها توالت العقود لتتحول شركته الآن إلى أكبر شركة فى هذا المجال تعمل بالقطاع الخاص وتبيع الكهرباء للقطاع الخاص.
واعتمد زهران فى مشروعاته القائمة بالواحات البحرية بالصحراء الغربية وكذلك بمنطقة مرسى علم على سياسة إشراك أهالى المنطقة فى هذه المشاريع من خلال تدريبهم على بعض المشروعات مثل صيانة الألواح بما يمثل فرص عمل جيدة لأهالى المنطقة وكذلك تأمين تام للمشروع ويقول: الخطر يأتى عندما لا يتم تأهيل الناس أو عندما تغيب الخبرة لذلك تدريب كوادر جديدة هو واحد من أساليب التأمين.
ويدعو زهران لضرورة وجود المزيد من التعاون بين مصر وألمانيا فى مجال التعليم وبخاصة فيما يتعلق بقطاع الطاقة الشمسية، حيث توجد فى ألمانيا مناهج على مستوى عال جدا فى التعليم الجامعى ويضيف أن العديد من الشركات الألمانية العاملة فى القطاع الخاص متعاونة جدا فى مجال تبادل الخبرات التقنية من شركات ألمانية تعمل فى الطاقة الشمسية.
مستقبل واعد
المهندس إبراهيم سمك مستشار رئيس الجمهورية، ومؤسس شركة للطاقة الشمسية فى المانيا ( ورئيس المجلس الأوروبى للطاقة المتجددة لفترتين على التوالي، ومنفذ مشروع الإضاءة بالطاقة الشمسية فى المستشارية الألمانية، والبرلمان الألماني، ومحطة قطار برلين، ومطار شتوتجارت، وهو أيضا صاحب اختراع اللمبة الذكية المعتمدة على الطاقة الشمسية والذى تم تنفيذه فى 250 مدينة ألمانية) يصف مستقبل الطاقة المتجددة فى مصر وإفريقيا بالمستقبل الواعد، فوفقا لنتائج دراسة أعدتها جامعة لابينرانتا للتكنولوجيا فى فنلندا فى إطار برنامج الأمم المتحدة لتغييرات المناخ فإنه من الممكن أن تحقق إفريقيا وبحلول عام 2050 الانتقال الكامل وبنسبة 100% لإنتاج الكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة، وبحلول نفس التاريخ ستوفر الطاقة المتجددة 36 مليون فرصة عمل.
ويضيف: تطلع الشمس فى مصر بمعدل يتراوح ما بين 300 إلى 310 أيام فى السنة، بينما فى ألمانيا على سبيل المثال يقتصر الأمر على 140 يوما فقط، كما أن مصر من أكثر المناطق التى تتمتع بقوة إشعاع فى العالم، ويصل الاشعاع من 9 إلى 11 ساعة فى اليوم، على العكس من أوروبا التى يستمر فيها الاشعاع الشمسى نحو 5 ساعات، وفى مصر يبلغ الإنتاج للساعة خلال العام من 2000 كيلو وات إلى 3200 كيلو وات ساعة، بينما المتوسط فى ألمانيا أو أوروبا عموما يبلغ نحو من 1000 كيلو وات إلى 1200 كيلو وات، والفارق الكبير يشجع على ضخ استثمارات أكبر فى هذا المجال وربما يشجع مصر على تأسيس شبكات ربط كهربائية داخل إفريقيا.
ويرى سمك أن التحديات التى كانت توجه هذه المشروعات فى مصر لم تعد موجودة، فالمسألة التنقية أصبحت متاحة، بالإضافة إلى تكنولوجيا الطاقة الشمسية ليست معقدة بالأساس والكثير من الجامعات والمراكز البحثية فى ألمانيا على سبيل المثال تتعاون بشكل جيد جدا فى هذا المجال، أما التحديات الاقتصادية فأيضا أصبحت أقل، فخلال العام الماضى 2017 أرتفع معدل إنتاج الألواح »النموذجية« بشكل كبير جدا وانخفض سعرها وأضاف: تجمع الخلايا الشمسية حاليا بمصر واعتقد أنه بحلول نهاية 2018 تستطيع مصر إنتاج هذه الألواح الشمسية لأن الموارد الطبيعية تتوافر بها مثل الرمال وعن مخاوف بعض المستثمرين من انخفاض العائد بعد تعويم الجنيه المصرى قال سمك مازالت الأسعار المقدمة من الحكومة المصرية وحزمة التسهيلات هى واحدة من الأفضل على مستوى العالم بالنسبة للمستثمرين.
للإطلاع على النسخة الالمانية من خلال الرابط التالى:
http://www.spiegel.de/wissenschaft/technik/aegypten-plant-groesstes-solarkraftwerk-der-welt-a-1191169.html
التعليقات